قال القرطبي في تفسيره عن أول من تحدث باللسان العربي : واختلف في أول من تكلم باللسان العربي ، فروي عن كعب الأحبار أن أول من وضع الكتاب العربي والسرياني والكتب كلها وتكلم بالألسنة كلها آدم عليه السلام ، وقاله غير كعب الأحبار .
وقد ذكر كعب الأحبار ذلك بقوله : أول من تكلم بالعربية جبريل عليه السلام ، وهو الذي ألقاها على لسان نوح عليه السلام ، وألقاها نوح على لسان ابنه سام . ورواه ثور بن زيد عن خالد بن معدان عن كعب ، وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ” أول من فتق لسانه بالعربية المبينة إسماعيل وهو ابن عشر سنين ” ، وقد روى أيضا : أن أول من تكلم بالعربية يعرب بن قحطان ، وقد روي غير ذلك .
وقد نقل القرطبي عن الثعلبي أن آدم عليه السلام قال عندما قتل قابيل أخاه هابيل شعراً عربياً موزوناً ، يقول :
تغيرت البلاد ومن عليها … فوجه الأرض مغبر قبيح
تغير كل ذي طعم ولون … وقل بشاشة الوجه المليح
ثم استدرك ، قال القشيري وغيره قال ابن عباس : ما قال آدم الشعر ، وإن محمدا والأنبياء لهم في النهي عن الشعر سواء ، لكن لما قتل هابيل رثاه آدم وهو سرياني ، فهي مرثية بلسان السريانية أوصى بها إلى ابنه شيث وقال : إنك وصيي فاحفظ مني هذا الكلام ليتوارث ، فحفظت منه إلى زمان يعرب بن قحطان ، فترجم عنه يعرب وجعله شعرًا.
وفي التعليق على تفسير القرطبي ، قال الآلوسي : ذكر بعض علماء العربية أنه في ذلك الشعر لحنا ، أو إقواء ، أو ارتكاب ضرورة . والأولى عدم نسبته إلى يعرب أيضا؛ لما فيه من الركاكة الظاهرة ، وقال أبو حيان في “البحر” : ويروى بنصب “بشاشة” من غير تنوين على التمييز ، ورفع ” الوجه المليح ” وليس بلحن .
وانتهى القرطبي في حديثه إلى الرأي التالي : الصحيح أن أول من تكلم اللغات كلها من البشر آدم عليه السلام ، واللغات كلها أسماء ، فهي داخلة تحته ، وبهذا جاءت السنة ، يحتمل أن يكون المراد به أول من تكلم العربية من ولد إبراهيم عليه السلام وإسماعيل عليه السلام ، وكذلك إن صح ما سواه فإنه يكون محمولا على أن المذكور أول من تكلم من قبيلته بالعربية ، والله اعلم .. وكذلك جبريل أول من تكلم بها من الملائكة وألقاها على لسان نوح بعد أن علمها الله آدم ، أو جبريل على ما تقدم .