الرئيسية / جديد 3 / لماذا تجعلنا الروائح نسترجع الذكريات ؟

لماذا تجعلنا الروائح نسترجع الذكريات ؟

أليس غريبًا كيف أن الروائح تربطنا بذكرياتنا القديمة؟ كأن تمر على مخبز يصنع البسكويت اللذيذ وبمجرد أن تشتم الرائحة حتى تعود بذاكرتك إلى خبز الجدة الذي كانت تصنعه بكل حب، وطعم البسكويت اللذيذ الذي كنت تتناوله من صنع يديها !

الرابط بين الروائح والذكريات

فلماذا تُعيدنا الروائح إلى ذكرياتنا القديمة ؟ ولماذا في كل مرة نشم فيها رائحة المطر أو الخبز أو أي رائحة أخرى نعود إلى الماضي وأحداث معيّنة حدثت فيه سواء أسعدتنا أو أحزنتنا ؟

لماذا ترتبط الروائح بذكريات الماضي ؟ وكيف لرائحةٍ ما أن تُعيدنا إلى ذكرى قديمة؟

 

تأثير براوست Proust Effect

في مطلع القرن العشرين، كتب الكاتب الفرنسي مارسيل براوست تحفته، سلسلة من 7 مجلدات بعنوان “In Search of Lost Time”. يدور الكتاب حول كيفية تذكرنا لماضينا؛ يتذكر الراوي تفاصيل حية عن طفولته، بينما يفكر في معناها.

يصف براوست أحد المشاهد المعينة في بداية الكتاب كيف أن طعم ورائحة مادلين، وهي كعكة إسفنجية صغيرة مغموسة في الشاي، تعيد ذكرى الطفولة المنسية منذ زمن طويل، وتطلق العنان لقصة واسعة. المشهد هو واحد من أكثر المشاهد شهرة في الكتاب.

طريقة تصوير براوست لذكرياته من الماضي، وكيف ربطها بروائح معيّنة جعل علماء النفس والأحياء العصبية يبحثون في الأمر، وأطلقوا على هذا التأثير تأثير براوست.

 

كيف يعمل تأثير براوست ؟

عرّف كريتيان فان كامبين، الباحث العلمي في العلوم الاجتماعية، تأثير براوست بأنه “إحياء لا إرادي، ناتج عن حس حيوي وعاطفي لأحداث من الماضي”.

تخزّن ذاكرتنا طويلة المدى الروائح التي نشمها كديوراما ذهنية. يتم تخزين التفاصيل المرتبطة بها مثل العواطف والأشخاص والمواقع والنباتات والحيوانات وما إلى ذلك.

رائحة الكتب

يبدو الأمر كما لو أن الدماغ يصنع ذاكرة لتلك التجربة باستخدام الرائحة كمفتاح. إن شم هذه الروائح مرة أخرى سيؤدي إلى تذكر هذا الموقف بالذات. تسمى هذه الظاهرة أيضًا “الذاكرة الشمية”.

قرر العلماء مواصلة التحقيق في ظاهرة براوست. وصمموا دراسات لفهم تشريح الدماغ وكيفية معالجة المحفزات الحسية وتخزين الذاكرة. مع كل دراسة، أصبح من الواضح بشكل متزايد أن الروائح تلعب دورًا مهمًا في الذاكرة.

ومن أجل فهم أكثر وضوحًا لكيفية عمل أدمغتنا في تخزين الذاكرة، قاموا بدراسة مرض الزهايمر. من سمات المرض تدهور الحُصين. تمكّن العلماء من ربط قطع اللغز معًا وقرروا أن الحُصين عنصر حاسم لإدراك حاسة الشم والذاكرة.

ولفهم لك بصورة أعمق، إليك موجز بسيط عن كيفية استعياب الدماغ للروائح التي نشتمها.

تدخل الجزيئات التي نستنشقها أنفنا، حيث تصطدم بالمستقبلات الشمية. تنقل هذه المستقبلات المعلومات إلى جزء من الدماغ يسمى البصلة الشمية، والتي تقع خلف الجبهة. تقوم البصلة الشمية بفك تشفير هذه المعلومات وتحدد بالضبط ما نشمّه. ثم تنقل الخلايا العصبية هذه المعلومات إلى اللوزة الدماغية.

تأثير الرائحة

اللوزة هي منطقة في الدماغ تفسر المعلومات العاطفية، مثل التجارب السعيدة أو الحزينة أو المضحكة. من هناك، تتحرك الإشارة إلى الأمام نحو الحُصين. الحُصين هو هيكل على شكل فرس البحر يلعب دورًا في التعلم وتشكيل الذكريات. للتلخيص، يحفز الشم اللوزة والحصين معًا.

هذا هو السبب في أن شم الشامبو الذي استخدمته والدتك عندما كنت طفلًا ربما يجعلك تشعر بالحنين إلى طفولتك!

وعند تطبيق هذا المبدأ عمليًا، فإن تعريض الناس لبعض الروائح سيجعلهم يتذكرون ذكريات سعيدة. ويمكن استخدام ذلك كنهج علاجي.

هذا المزاج الجيد الذي نشعر به أثناء ذكريات الماضي له آثار مفيدة. فهو يعزز احترام الذات ويزيد من التفاؤل، العلاقة بين الماضي والحاضر تزداد قوة. كما أنه يثير مشاعر الترابط الاجتماعي.

بالطبع، كل ذلك يعتمد على التجارب الفردية. يفسر الأفراد الروائح بشكل مختلف وتعتمد طريقة تفسيرهم لها على تعرضهم لروائح مختارة وتجارب مرتبطة بها.

 

كيف يُستخدم تأثير براوست وذاكرة الروائح في التسويق ؟

تبنت الشركات أسلوبًا مثيرًا للفضول لتسويق العلامة التجارية يسمى التسويق الشمي. يستغل هذا النوع تأثير براوست عن طريق إحداث نفحة من الحنين إلى الماضي في ديموغرافيتهم المستهدفة.

تمتلئ هذه المنتجات بروائح خاصة تحمل معنى وتثير إحساسًا بالثقة والأمان المرتبطين بتلك الرائحة. غالبًا ما تكون هذه الروائح مسجلة كعلامة تجارية وتُعرف باسم علامات الرائحة.

على سبيل المثال، في التسعينيات، قامت شركة تنس بضخ كرات التنس الخاصة بها برائحة العشب. ثم قاموا بتسجيل الرائحة كعلامة رائحة. عندما يفتح المستهلكون علبة كرات التنس، يغمرهم شعور أو ذكرى اللعب على العشب. تُنتج شركات العطور روائح متعددة لإغراء الحواس الشمية للمستهلكين في محاولة لزيادة شعبيتها.

 

الخلاصة ..

في المرة المقبلة، كُن أكثر انتباهًا للروائح في بيئتك ومحيطك. ولا تُقلل من أهمية رائحة الخبز أو قهوة الصباح أو رائحة المطر، جميعها ستستحضر ذكريات سعيدة محفورة في ذاكرتك، يُمكنك أن تستمتع بها متى أردت !